-A +A
د. طلال صالح بنان
لم يتجاوز خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الحقيقة المرة والمرعبة معاً، عندما أبدى مخاوفه، لصحيفة “الباييس” الأسبانية: من أن ينفجر الوضع في منطقة الشرق الأوسط بما يحمله من تأثيرات سلبية وكارثية لا تحيق بالمنطقة، فحسب... بل أيضاً، العالم بأسره. الملك عبد الله يريد أن يلفت نظر الأوربيين لخطورة الوضع في المنطقة.. ويحملهم مسئولية التحرك من أجل تفادي انفجار برميل البارود، الذي تحيط به النيران والحرائق، من كل جانب.
نظرة سريعة إلى خريطة المنطقة، تظهر مشروعية القلق الذي عبّر عنه الملك عبد الله ومدى اقتراب برميل البارود في المنطقة من نقطة الانفجار، نتيجة لتزايد مستوى ووتيرة أعمال العنف، وتلك النيران التي تعتمل تحت الرماد، في قضايا معلقة وحساسة، هي أقرب للتأزم منها إلى الحل. هناك أزمة مستحكمة بين المعارضة والحكومة في لبنان، تغذيها أعمال عنف تندلع، من آن إلى آخر، لإبقاء حالة التوتر ساخنة إلى أن يحين وقت انفجارها. هناك، وفي نفس المنطقة، توتر بين لبنان وسوريا، من ناحية.. وآخر بين دمشق وتل ابيب، ينبئ بسخونة درجة حرارة الصيف، هذا العام، ربما بدرجة حرارة أعلى من تلك التي خبرته، نفس المنطقة، العام الماضي. يغذي، كل ذلك نشاط محموم من الأمم المتحدة، وفعاليات النظام الدولي المهمة ( أمريكا والاتحاد الأوروبي )، المحاولة لفرض واقع جديد، قد يخل بتوازن القوى الهش في تلك المنطقة، مما يدفع باتجاه الاحتكام إلى القوة، لترتيب شكل جديد للنظام الإقليمي، في تلك المنطقة.... مع احتمالات الوقوع في شَرك الخطأ في الحسابات.

ليس بعيداً، عن تلك المنطقة، شرقاً. هناك في العراق تدور رحى حرب غير تقليدية، ليس في أسلحتها، بل في منطقها ورعونتها وفوضويتها، حيث تتصارع قوىً محلية وإقليمية ودولية، ضد كل شيء ومن أجل لا شيء. الولايات المتحدة هي التي أشعلت فتيل تلك الحرب بغزوها مع بريطانيا العظمى العراق... ومن يومها، ما يسمى بقوات التحالف “الدولي” في العراق، عاجزة عن تثبيت أقدامها على ثرى أرض الرافدين، دعك من زعمها السيطرة عليه. هذا، بدوره، وللسخرية: جعل العراق، ساحة لقوىً إقليمية، هي من الناحية الاستراتيجية والأمنية والأيدلوجية، عدو للقوى الدولية، التي غزت العراق..!؟
أصبحت القوات الأمريكية والبريطانية، بين فكي كماشة القوى العراقية الموالية لإيران، التي تستعجل خروج تلك القوات الدولية، باسم تحرير العراق، لتملأ الفراغ. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى تطبق قوات المقاومة العراقية المنتمية إلى فصيل مناوئ لذلك المناصر لإيران، ويضم ألوان طيف مختلفة عراقية ووافدة.. وطنية وإرهابية.. تكفيرية ومعتدلة... جميعها تخوض معركة، تحت شعار تحرير العراق، من القوات الأجنبية، من أجل ملء الفراغ الذي يتركه خروج تلك القوات. هذا، جعل القوات الأجنبية في العراق، متغيرا مهما لبقاء الأوضاع في العراق، كما هي... وخروجها، بدون تطوير مصالحة وطنية شاملة في العراق، سيقود إلى فوضى عارمة هناك. وفي أي الأحوال: يبدو تطوير مثل تلك الإرادة الوطنية الشاملة في العراق، في هذه الظروف التي يمر بها، من رابع المستحيلات. لقد تجذرت الكراهية العرقية والمذهبية والطائفية في العراق، لدرجة استحالة تصور عودة العراق، موحداً ومستقلاً ومستقراً، مرة أخرى، سواء بقيت قوات التحالف أو خرجت.
في الجهة المقابلة للخليج العربي، يتفاعل توتر إقليمي يمثل الفتيل الذي يشعل برميل البارود الجاثم على المنطقة. هناك تصعيد متبادل لأزمة متفاقمة سببها برنامج إيران النووي. الولايات المتحدة مستخدمة نفوذها السياسي الطاغي على الساحة الدولية، تدفع لحل جذري ( عسكري ) لملف البرنامج النووي الإيراني. من المحتمل، إذا ما تم تصعيد الموقف، لدرجة المواجهة العسكرية، ألا يقتصر مسرح عمليات المواجهة العسكرية، على ساحة الجانب الإيراني الإقليمية. هناك احتمال كبير أن تتضرر منطقة غرب الخليج العربي ( العربية ) الغنية بالنفط، من تطاير شرر النيران التي تشتعل، في الجانب الشرقي من الخليج العربي. هنا تتبين حكمة الملك عبدالله، عندما حذر من فقدان السيطرة على الأوضاع المتوترة في المنطقة، قد يقود إلى إحداث أضرار جسيمة بمصالح العالم وأمنه. لا يريد أحد أن يتخيل انقطاع الإمدادات النفطية، من منطقة الخليج العربي، ولو لفترة محدودة، نتيجة لاشتعال الموقف بين إيران والمجتمع الدولي حول ملف طهران النووي.
الملك عبد الله بن عبد العزيز، ربما يكون قد وَقَّت زيارته لبعض الدول الأوربية، في هذا الوقت، من أجل تنبيه أضعف منطقة في العالم، من حيث إمكانات الطاقة وتعطشها لإمدادات النفط من أغنى منطقة للطاقة الأحفورية في العالم، حتى تتحرك بمستوى الخطر المحدق بها وبسلام العالم للحيلولة دون تفجر الأوضاع في أيٍ من نقاط التوتر في المنطقة المرشحة للاشتعال، في أي لحظة، لتمتد النيران للمنطقة بأكملها، وللعالم بأسره.. وهكذا فان لسان حال الملك عبدالله يقول: اللهم قد بلغت.. اللهم فاشهد.